بالعودة إلى 1978 نجح مهندسي شركة سوني اليابانية من صنع نموذج أولي لجهاز تشغيل موسيقى متصل بسماعات أذن خفيفة الوزن، في العام التالي قدمت سوني جهازها الثوري الذي عرف بإسم وكمان ‘Walkman’ لأول للسوق الياباني وحقق الجهاز نجاح باهر باعت فيه سوني كل مخزونها خلال ثلاثة أشهر فقط.
نعرف نجاح سوني الثوري من هذا الجهاز أنها تفردت بعيداً عن كل المنافسين لفترة عشر سنوات على الأقل وحصلت سوني بجهازها على حصص سوقية مسيطرة في معظم أسواق العالم حتى شديدة المنافسة كالسوق الأمريكي وبالطبع في مسقط رأسها اليابان. كانت سوني متفوقة بشكل لايوصف، فجهازها كان أغلى من أجهزة المنافسين ومع ذلك كانت تحقق مبيعات عالية.
كانت الحقبة ما بين 1979 و 1990 توصف بسيطرة سوني الكاملة على سوق أجهزة الموسيقى المحمولة التي تعمل على أشرطة الكاسيت القديمة. لكن التكنولوجيا تتطور و أصبحت الأقراص الليزرية CD تحل محل أشرطة الكاسيت لما لها من مزايا تجعلها تتفوق بشكل واضح. وهنا عرفت الشركات حول العالم أن القرص الليزري سيحل محل أشرطة الكاسيت قريباً وكان هناك ترقب حول الجهاز الذي سيكون وكمان القرص الليزري.
و أطلقت الشركات أجهزتها الوكمان التي تضع في داخلها قرص ليزري بدلاً من شريط الكاسيت، كانت عملية وتشغل عدد أكبر من الأغاني مع مزايا أسهل بالبحث والتحكم بالقرص مقارنة بالكاسيت، لكن هذه الحقبة لم تدم كثيراً وكانت مرحلة وسطية في انتقال الموسيقى من الكاسيت إلى الشكل الرقمي كملفات مضغوطة.
وصولاً إلى أواخر العقد تقريباً أطلقت الشركة الكورية الجنوبية Saehan أول مشغى موسيقى رقمي سمته MPMan باعت منه 50 ألف نسخة في أول سنة من إطلاقه.
وفي 2001 جاءت آبل متأخرة ثلاث سنوات و كان هناك 50 جهاز مشغل موسيقى رقمي في السوق، لكن ولا واحد منها وصل إلى النجاح الذي حققه وكمان سوني على مدى 20 سنة الماضية من سيطرة على أسواق العالم في الموسيقى عبر الكاسيت.
يعزو السبب إلى أن الموسيقى الرقمية على شكل ملفات MP3 تختلف عن الموسيقى التي تشتريها عبر شريط كاسيت من المتاجر. حيث أن الموسيقى الرقمية كان يتم تحميلها عبر الإنترنت وتحتاج لبذل جهد و وقت للعثور على الأغاني و الألبومات المطلوبة فضلاً عن بطئ الإتصال بالإنترنت عموماً حينها، كل ذلك ساعد على أن يبطئ من ثورة انفجار الموسيقى الرقمية كما حصل مع التقليدية عبر الكاسيت.
اذاً الدرس الهام هنا ليس من المهم أن تكون أول من يقدم مشغل موسيقى رقمي مثل MPMan أو أن تكون الشركة الخمسين في السوق مثل آيبود آبل. المهم أن توفر القيمة الحقيقية التي يبحث عنها الناس.
كانت خطوة آبل متأنية وبطيئة لدخول السوق وتأخرها لثلاث سنوات وخمسين منافس ليس بالأمر الهام إن تمكنا من تعلم الدرس الهام المذكور أعلاه. حتى تقوم آبل بثورة كما فعلت سوني عليها أن تقدم شيئين، مشغل الموسيقى الرائع بتصميمه والبسيط والقوي بمزاياه، والمحتوى الموسيقي السهل الوصول إليه والمنظم.
في 2001 قدمت آبل أول آيبود لها بسعر باهظ عند 299 دولار ويحمل مساحة تخزينية 5 غيغابايت يمكنها تخزين ألف أغنية وسطياً. لكن قيمة الجهاز فعلياً تأتي من متجر الآيتونز الذي قدمته آبل ليكون مصدر المحتوى. فمشغل الموسيقى على الرغم من روعة تصميمه ومزاياه يعد قطعة خردة بدون هذا المحتوى.
بهذه الطريقة أصبح الآيبود أسرع مشغل موسيقى نمواً و مبيعاً في السوق مقارنة بكل المنافسين.
الملاحظ أن آبل لم تقدم المتجر مع إعلان الآيبود فوراً، انتظرت عامين أيضاً وحتى 2003 أطلق متجر الآيتونز ليقدم قيمة عالية لمحبي الموسيقى و الأغاني حيث عملت آبل خلال تلك الفترة الفاصلة على التعاقد مع كبرى شركات الإنتاج والفنانين لبيع الأغاني عن طريق متجر الآيتونز بسعر 99 سنت للأغنية الواحدة أو 9.99 دولار للألبوم.
متجر الآيتونز أعطى القيمة الحقيقية لجهاز الآيبود حيث أصبح هناك ملايين الأغاني تحت تصرفك في مكان واحد وبسهولة يمكنك الوصول إليها و تحميل ما تشاء بشكل قانوني وبسعر موحد.
أدى نجاح متجر الآيتونز في بيع الأغاني إلى نمو مكتبة المتجر لتصل لأكثر من 1.5 مليون أغنية خلال عامين فقط. بالرغم من أن آبل لاتحقق أرباح كبيرة من بيع الأغاني عبر متجر الآيتونز، إلا أنه كان الأداة الفعالة لزيادة مبيعات الآيبود.
باعت آبل ما قيمته 8 مليار دولار من الأغاني ما بين 2005 و 2009 أي أن عائداتها من المبيعات وهي حصتها 10% من قيمة المبيعات تصل إلى 800 مليون دولار فقط ما عدا تكاليف إدارة وتشغيل المتجر. لكن مبيعات الآيبود خلال هذه السنوات الأربعة كانت حوالي 22 مليار دولار.
نفهم هنا أن آبل عرفت أن أي جهاز مشغل موسيقى سيكون خردة ما لم توفر له المحتوى بطريقة ملائمة. نعم آبل لاتربح كثيراً من بيع الأغاني لأن الآيتونز بالأصل أداة لتسويق وبيع الآيبود .. الناس أصبحت تشتري الآيبود لأنه يمكنك شراء المحتوى من متجر الآيتونز من خلاله، بينما المشغلات المنافسة عليك الضياع في الإنترنت وشرائها بأسعار أعلى أو تحميلها مقرصنة.
نلاحظ أنه في السنوات التالية طورت آبل من إمكانيات جهاز الآيبود وأصبح المستخدمين يعيدون شراء النسخ الأحدث وتبقى مشترياتهم من الموسيقى كما كانت سابقاً. بالنهاية سيطر الآيبود على سوق مشغلات الموسيقى الرقمية mp3 بحصة 48% وهي بعيدة جداً عن أقرب المنافسين جهاز Sansa من SanDisk.
نفهم من هنا فلسفة ستيف جوبز مع المنتجات الجديدة والثورية، كانت بقية المنتجات متواجدة في السوق لثلاث سنوات أكثر من الآيبود لكنها لم تحقق النجاح الذي حققه القادم متأخراً.
لم تتفق سوني مع ستيف جوبز و آبل بشأن متجر الموسيقى آيتونز، لذا عملت سوني على العزف منفرداً و أطلقت نسختها المقلدة من المتجر وسمتها Sony Connect لكن هذا المتجر لم يعش أطول من ثلاثة سنوات بعدها أوقفته سوني و أعلنت الإستسلام.
مع تعثر المنافسين واستمرار نجاح شركة أبل، أصبحت الموسيقى تشكل جزء كبير من عمل آبل وهذا ما سبب لها مشكلة مع شركة آبل كوربس التي كانت تدير أعمال فرقة البيتلز لأن بينهم اتفاق على استخدام كلمة آبل في الأسم التجاري بشرط أن لا تطلق آبل أي منتج موسيقي وأن لا تطلق البيتلز أي كمبيوتر، وقاضت آبل كوربس شركة آبل كومبيوترز بشأن دخولها مجال الموسيقى.
كان الآيبود منتجاً ساحق النجاح، في 2007 شكل الآيبود نصف مبيعات الشركة، والآيتونز الذي توقعت الشركة أن تبيع من خلاله مليون أغنية في نصف سنة، تطلب الأمر ستة أيام فقط لبيع هذا العدد و خلال أول سنة من إطلاقه باعت آبل سبعين مليون أغنية عبر الآيتونز. و استغرقت ثلاثة أعوام فقط حتى باعت مليار أغنية عبر الآيتونز.
الحقيقة أن الآيبود و متجر الآيتونز للموسيقى كانا أول خطوة لآبل في التجارة الرقمية حيث بدأ الناس يضعون ثقتهم وعناوينهم وبياناتهم وحتى أرقام بطاقات الإئتمان لدى آبل وبعدها توسعت لأكثر من مجرد بيع الموسيقى، أصبح الآيتونز يبيع الفيديو والتطبيقات والإشتراكات في المجلات وغيرها.
يقول ستيف جوبز أن هناك موجات تكنولوجية يراها الجميع قبل أن تحدث فعلاً، عليك أن تختار الموجة التي تريد أن تركبها بحكمة، فإذا اخترت واحدة بطريقة طائشة فإنك تهدر الكثير من طاقتك، لكن لو اخترتها بحكمة فإنها ستستمر لسنوات و أنت على سطحها وستهبط ببطئ شديد.
المقال مستوحى من مقال RON ADNER في the atlantic بتصرف
هذه التدوينة من أسرار أبل: سر نجاح الآيبود ظهرت في البداية في موقع عالم التقنية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق