لطالما أشير إلى الهندسة باعتبارها المرحلة الوسيطة بين ابتكار الأحلام وتحويلها إلى حقيقة. وفي الواقع، تعتبر عملية التوازن بين العوامل التنافسية لارتفاع أداء المعالجة، وانخفاض استهلاك الطاقة، وعملية التبريد، والوزن الخفيف خير مثال عن المبادلات الهندسية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار مع كل تصميم.
ومنذ وقت غير بعيد، افترضت المعالجة ذات الاستهلاك المنخفض من الطاقة آلياً تصاميم منخفضة الأداء. ولم تعد هذه المقولة صحيحة اليوم؛ حيث يدفع قطاع الهواتف المحمولة الذي يركز على معايير كفاءة استهلاك الطاقة، والتعديل القائم على الشكل، نحو الحصول على نتائج تزعزع من صحة هذا الافتراض الموجود منذ وقت طويل.
وفي سياق هذه العملية، تتعرض بعض الحلول الهندسية الوسط إلى تغيير ملحوظ يدفع باتجاه الدخول إلى عصر جديد من المعالجة التي تمتاز بترشيد استهلاك الطاقة. وتشير التطورات الأخيرة إلى تحسينات مهمة في مجال كفاءة استهلاك الطاقة – في الوقت المناسب تماماً لتلبية الطلب الكبير المتوقع على الطاقة الناجم عن طفرة أجهزة الهاتف المحمول وتنامي قطاع ’إنترنت الأشياء‘.
ويمثل ما نشهده اليوم استجابة على توسيع متطلباتنا من الطاقة وإمدادات الطاقة المنهكة. ويدفع مستقبل المعالجة نحو نمو هائل للأجهزة والمعلومات في مقابل ارتفاع تكاليف الطاقة والبنية التحتية المنهكة سلفاً للطاقة. ويتجلى جزء كبير من الحل في زيادة كفاءة استهلاك الطاقة ضمن أجهزة المعالجة بمعدل يتناسب مع المكاسب الهائلة لأداء المعالج المصغّر التي تم تحقيقها خلال العقود الثلاثة الماضية في مجال معالجات أجهزة الحاسب الشخصية.
أبرز عوامل كفاءة استهلاك الطاقة: التكامل، والابتكار، وإدارة الطاقة
تستخدم تقنيات الهواتف المحمولة اليوم ابتكارات تضفي مزيداً من القوة على أداء هذه الأجهزة الصغيرة، وتعزز من عمر البطارية، وتقلل من الوزن ودرجة الحرارة، وتتغلب عملياً على الحاجة لمراوح التبريد الصاخبة. ويمكن الحصول على العديد من المكاسب في مجال كفاءة استهلاك الطاقة عبر التخلي عن النموذج القديم لإدارة الطاقة المرتكز على الحواسب الشخصية، والذي يتجلى في عبارة ’الأكبر حجماً هو الأفضل أداءً‘، واستبداله بنهج جديد تتكامل فيه وظائف إدارة الطاقة عبر النظام بأكمله. وساهم هذا النهج الجديد في إجراء خطوات متطورة في مجال تكامل الأنظمة، والابتكار في عمليات المعالجة، وإدارة الطاقة أثناء الخمول.
وتتضمن مناهج تكامل النظام أنظمة المعالجة غير المتجانسة (HSAs) التي تجمع وحدات المعالجة المركزية ووحدات المعالجة الجرافيكية على قطعة السيليكون ذاتها، وغالباً ما يطلق عليها اسم وحدات المعالجة المسرّعة، أو APUs. وتسهم هذه الخطوة في تخفيض استهلاك الطاقة عبر التخلص من الواجهات التي تهدرها بين الشرائح وتتيح أدوات إدارة على الشريحة لتخصيص وتخفيض الطاقة بكفاءة بين المكونات المتكاملة.
وتعمل الأجهزة المزودة بأنظمة المعالجة غير المتجانسة على تعزيز كفاءة عملية المعالجة عبر تحديد وتوجيه العمل إلى أفضل معالج يمكنه تأدية الوظيفة، مما يتيح زيادة في الأداء لكل من المكاتب القياسية و’المعالجة البصرية‘ الناشئة فضلاً عن تطبيقات واجهات المستخدم. وباختصار، يتم تصميم أجهزة أنظمة المعالجة غير المتجانسة لتوفير قدرات أداء متطورة باستخدام الحد الأدنى من الطاقة.
ويرتكز أحد المجالات الجديدة والواعدة الأخرى لإدارة الطاقة على الطاقة المنخفضة أو حالات خمول النظام التي تعد بدورها مثالية لأجهزة الهاتف المحمول حيث تتطلب أداء عالياً لفترات قصيرة، تليها فترات خمول طويلة نسبياً فيما ينتظر المستخدم الاستجابة أو يراقب النتيجة. ويتجلى الحل الرئيسي في هندسة تصميم يتمتع بحالات خمول تستهلك قدراً منخفضاً من الطاقة، ويسمح للجهاز بدخول هذه الحالات بالسرعة الممكنة وابتكار تكوين مرن للشريحة بهدف إيجاد تكوين منخفض الطاقة يمكن الدخول إليه بسرعة دائماً.
ومع هذه الابتكارات، لم تعد كفاءة استهلاك الطاقة عبارة عن نسبة الأداء الأقصى مقسومةً على الطاقة القصوى للمعالجة (أي كفاءة استخدام الذورة)، وإنما يتم تقسيم الأداء الأقصى على الطاقة النموذجية للمعالجة. ويتم تطبيق الأداء لفترات قصيرة تكفل منح المستخدم الاستجابة السريعة التي ينشدها، فيما تبقى الطاقة عادة أقل بكثير من الطاقة القصوى بسبب الاستخدام المفرط المذكور آنفاً من حالات الطاقة المنخفضة.
ويطلق على تقييم الكفاءة هذا اسم ’الاستخدام النموذجي لكفاءة الطاقة‘، ويشهد تحسناً بوتيرة أسرع بكثير من الاستخدام الأقصى للكفاءة نظراً للابتكار في الهندسة وإدارة الطاقة.
التصميم لكفاءة الأداء بالنسبة لكل واط
يتم تقييم أداء المعالجة عادة باستخدام إجراءات قياسية خاصة بالقطاع تشمل عمليات النقطة العائمة لكل ثانية (FLOPS)، وملايين التعليمات في الثانية (MIPS)، وغيرها من النتائج القياسية المعتمدة. ويمكن أن يصبح قياس أداء قطعة من كفاءة استهلاك الطاقة أكثر صعوبة نظراً لكونها هدفاً دائم التحرك، مع التغييرات المستمرة التي تطرأ أثناء إدارة النظام لمختلف الأعمال.
ويقيس الأداء بالنسبة لكل واط عملية المعالجة التي يقدمها الجهاز لكل واط مستهلك من الطاقة. وكما هو مبين، تتيح الإدارة المتطورة للطاقة إمكانية تحديد الكفاءة بصورة أكبر عبر المقارنة بين الواط المستهلك في حالات انخفاض الطاقة والواط المستهلك خلال فترات المعالجة القصوى قصيرة الأمد. ويستخدم هذا الإجراء عادة لتقييم كفاءة المنصات متعددة الاستخدامات مثل الهواتف المحمولة، وأجهزة الحاسب اللوحية، وأجهزة الحاسب المحمولة والأجهزة المضمنة.
ويتجلى التحدي الأكبر في عكس عقلية التركيز على الأداء وحده التي سادت العقود الثلاثة الماضية من المعالجة، إضافة إلى تصميم الجيل القادم من الأجهزة التي تحقق أفضل كفاءة للأداء بالنسبة لكل واط. ويشكل تحديد المؤشر الأمثل للأداء، والذي يعكس الاستخدام النموذجي للطاقة في أجهزة الهاتف المحمول، اليوم واحداً من أبرز التحديات المهمة.
ولم يعد الأداء المرتفع والاستهلاك الكبير للطاقة خياراً مقبولاً في العديد من الأجهزة. ولهذا أهمية خاصة فيما يتعلق بمتطلبات الطاقة للمليارات من أجهزة المعالجة الجديدة التي يتوقع أن تشكل إنترنت الأشياء. وبالمثل، لن يقبل المستخدمون أجهزة تتمتع باستهلاك منخفض للطاقة مع أداء منخفض، مما يشكل تحدياً كبيراً للمصممين.
كفاءة استهلاك الطاقة ضرورة عالمية
تتمتع المعالجات المستخدمة في العديد من أجهزة المعالجة اليوم بكفاءة في استهلاك الطاقة بمقدار عشرة أضعاف تقريباً بالمقارنة مع مثيلاتها منذ ست سنوات. وبحلول عام 2020، يتوقع ازدياد كفاءة استهلاك الطاقة النموذجية في أفضل الأجهزة بعامل 25. وهو خبر سار لمستخدمي الحواسب، وقطاع الحواسب والكوكب بشكل عام.
وفيما يتوقع وجود مليارات الأجهزة المتصلة الجديدة بحلول نهاية العقد الحالي، حيث يقتطع كل منها حصته من الطاقة من الشبكة العالمية المنهكة، ستكون التصاميم ذات الاستهلاك المنخفض للطاقة أولوية قصوى للسنوات القادمة. ولحسن الحظ، تسهم التطورات الحاصلة في مجال وحدات المعالجة المسرعة، وتكامل الأنظمة المدمجة على شريحة، والإدارة الذكية للطاقة وأداء المعالجة الذي يتمتع به الجيل القادم من المعالجات غير المتجانسة في التصدي لحتمية الكفاءة العالمية في استهلاك الطاقة.
ينبغي علينا عدم المساومة على مستقبلنا في مجال المعالجات. ويعكف المصممون المبدعون على تطوير أجهزة تحقق الانسجام بين الأداء العالي والاستهلاك المنخفض للطاقة. نحن بصدد مستقبل مشرق من الابتكارات التي تعزز الأداء التكنولوجي فيما تتطور كفاءة استهلاك الطاقة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق