خلال الأيام الماضية وضعت بين أيديكم رؤية المُنْتَجات الرقمية، والاقتصاد الرقمي، واقتصاد العربة، التي تعتمد في مجملها على الاعمال الحُرة وحرية العاملين فيها، أي المستقلين أو العاملين بدون التقيد بوظيفة ثابته، وكانت الـ 3 المقالات تلك تناقش هذا الاقتصاد الحُر من جانب المستقلين أو مقدمي الخدمات (الموظف المستقل إن صح التعبير، يعمل بشكل حُر وليس لصالح شركة معينة، فيمكن أن يعمل لأكثر من جهة في نفس الوقت).
واليوم دعونا ننظر لهذا الاقتصاد من الجانب الآخر، جانب الموظِّف أو الشركة المُستأجِرة للمستقل أو حتى افراد يرغبون في الاستعانة بذلك المستقل لتقديم الخدمة أو للقيام بالمهمة المطلوبة وتحقيق الهدف المراد.
سواء كنت صاحب عمل واحد (فردي)، أو كنت صاحب مشروع ما، أو صاحب شركة أي كان حجمها (صغيرة، متوسطية، أو كبيرة) فبالإمكان الاستفادة من هؤلاء المستقلين، وحينها تكون قد اتخذت القرار الصائب لفوائد عديدة تجنيها، منها:
سأستخدم كلمة “مشروع” هنا للتعميم في هذا المقال على أنها أي وظيفة أو مهمه أو هدف بجميع احجامها واشكالها والتي يحتاجها صاحب أي مشروع أو شركة او فرد يرغب في الاستعانة بالمستقلين لتحقيقها، وكلمة “عميل” أي صاحب الشركة أو الموظِّف للمستقل أي كان
إن التوظيف بدوام كامل يتبعه نفقات مختلفة غير تلك المرتبطة فقط بمبلغ الراتب الشهري، وتدور تلك النفقات وتزيد بزيادة الكادر بالطبع، فعلى سبيل المثال، هناك نفقات التأمين، والضرائب، والتكاليف التشغيلية للمقر أو المكتب الذي يعمل من خلاله الموظف، تتبعها نفقات الخدمات المساندة لذلك الموظف من أجل إتمام العمل، وغيرها من النفقات المصاحبة، وأيً كان حجم الميزانية التي وُضعت للمشروع، فالعمل على تقليل النفقات ورفع الوفر المالي في آخر السنة المالية من أهدف أي شركة أو أي مشروع، وهذا الهدف بالتأكيد لا يحققه غير الاستعانة بموظف مستقل يعمل على أداء الهدف المناط به وكفى.
2- المرونة والتنفيذ المباشر:
من أهم الأسباب الكثيرة لاختيار المستقلين العمل عن بُعْد، هو مرونة وحرية إختيار أوقات العمل التي تناسبهم ويحبونها دون تقيد بأوقات عمل العميل، وهذه المرونة تحقق الفائدة لكلا الطرفين (المستقل، وكذلك العميل)، فقد يعمل المستقل على إتمام هدف المشروع لعميل ما حتى خلال أوقات الليل واوقات خارج الدوام الرسمي لذلك العميل، وبالتالي فهذا الموظف المؤقت (او أكثر من موظف في بعض الحالات) يعمل في أوقات غير اعتيادية وقد يعمل بطاقة كاملة لإتمام الأهداف قبل الموعد، وهنا تكمن المرونة، ويتحقق التنفيذ المباشر عندما يتأمل (من الامل) المستقل ان يحصل على الحق المتفق علية عند تنفيذ الهدف، وبالتالي فالإسراع في التنفيذ يجعل الحصول على المستحق أسرع ايضاً، ويُمَكِنَهُ من الانتقال إلى مشروع آخر، وهكذا دواليك.. وهنا ترتفع نسبة جني العائد المالي وتحقيق الفائدة له (أي المستقل)، وفي نفس الوقت تسارعت الوتيرة الإنتاجية للعميل دون هدر الوقت هنا وهناك ولأسباب مختلفة.
3- الخبرات:
تتراكم الخبرات بشكل جيد ومتسارع لدى المستقل (بسبب طبيعة الاعمال التي يتنقل فيها وآليات التَعَلُّم التي تتحتم علية في كل مشروع)، بل ان المستقل يسعى يومياً (بالافتراض) في تطوير الذات
والخبرات حتى يقدم أفضل النتائج وبجودة عالية يستطيع بها المنافسة في سوق العمل الحُر شديد المنافسة، ويبني بذلك سمعة تُشجّع العُملاء في إستخدامه وطلب منتجاته.
كل تلك الخبرات والنهم اليومي في تطويرها قل ما تجدها في الموظفين الرسميين وذلك بسبب الروتين الوظيفي التي تطبقه كثير من الشركات (وهناك عدد لا بأس به من الشركات التي لا تتقيد بروتين مُمِلْ). وانا هنا لا اقلل من قدرات الموظفين الرسميين فهناك الكثير والكثير منهم يعملون كمستقلين أيضاً وهذا يُحسب لهم بل ويُضِيف الكثير لمقدراتهم، بالإضافة للموظفين الذين يطورون من قدراتهم وخبراتهم من أجل الفائدة الشخصية وفائدة الشركة التي يعملون فيها.
4- الاستقلالية:
إحدى أهم المتاعب التي تواجهها الشركات عند توظيف شخص جديد، هي التدريب والاستثمار في ذلك، وهذا بالتأكيد ليس عيب بل من أفضل ما تقدمة الشركات لمنتسبيها حتى يتمكن الموظف من أداء مهامه على أحسن ما يرام ويكون الإنتاج العام في أفضل حالاته، ولكن ما ان يغادر أحدهم تلك الشركة ولأي سبب، حتى تعود دورة ذلك الاستثمار التدريبي لشخص جديد، وهنا قد تتكرر الخسارة (مالية ووقتية)، ويتحول الكثير من الجهد و الموارد إلى التدوير الوظيفي المتكرر، ويأخذ ذلك من الموارد المالية والذهنية وينحرف التركيز من تحقيق الأهداف إلى محاولة سد الثغرات الوظيفية.
يأتي المستقل هنا لفتح المجال امام العميل في التركيز على تحقيق الأهداف أو الاهتمام بمشاكله الأخرى مطمئناً إلى ان الإنتاجية في وتيرتها الأفضل، بالطبع عند الاعتماد على مستقلين ذوي كفاءة وإمكانيات وامانة عمل.
5- الحفاظ على الحقوق المالية للعميل:
الكثير من المستقلين يقدمون إمكانية الاطلاع أو التجربة أو تقديم عينة تجريبية للمنتج النهائي قبل التعاقد أو حتى قبل إتمام عملية الدفع النهائية للمستحقات، وبالتالي حافظ العميل على حقوقه المالية في حالة لم ينل المنتج النهائي رضاء العميل الكامل، ناهيك ان العميل بإمكانه الاطلاع على منتجات المستقل السابقة قبل التعاقد معه أساساً، ومعرفة قدرات وخبرة من سيتعامل معه مسبقاً.
غالب المنصات إن لم يكن جميعها ( منصة مستقل، منصة عربية رائدة في ذلك) تُنظم آليات التعامل بين العميل والمستقل وتعمل على حفظ حقوق جميع الأطراف المتعاملين من خلالها، وخاصة صاحب المشروع أو الموظِّف (العميل)، مع ضمان كامل الحقوق للطرفين.
6- تخطي القارات:
عبر التعامل مع المستقلين فإن العميل يحصل على خبرات متنوعة جداً لا يجدها ضمن التوظيف المباشر أو المحلي، ناهيك عن التكاليف العالية إن أحبب التعامل مع خبرات دولية، وتُمكنه آليات العمل المستقل من الحصول على أفضل الخدمات التنافسية وبأفضل الأسعار إن لم تكن أقلها مقارنة بتوظيف نفس الخبرة بشكلها التقليدي.
من المهم الانتباه إلى ان هناك بعض المآخذ على الاعتماد على المستقلين في كل شيء ولأي شيء، فهناك بعض الاعمال قد لا يكون من الصواب إستخدام مستقل لأدائها، أو ان يكون من الخطر إستخدام ذلك المستقل لوجود معلومات ذات حساسية (أي كان درجتها)، والمقام هنا ليس لوضع قائمة المآخذ تلك، فلكل شركة أو مشروع خصوصيته وأهدافه ومراحله، وليس بالضرورة أن يكون احد المآخذ لمشروع ما، مناسب التطبيق على مشروع آخر.
قد لا يتناسب التوظيف الحُر مع شركات ذات حجم كبير أو أن تكون طبيعة العمل لدى تلك الشركة وخصوصيتها تتطلب موظفين رسميين وبدوام كامل أو جزئي، ولكن نجد تلك الشركات وفي حالات كثير تستعين بالمستقلين أو المقاولين إن صح التعبير، وقد يكون ذلك المستقل عبارة عن شركة أخرى تقوم بمهمة معينة وبعقد محدد ينتهي بانتهاء المشروع طي الاتفاق، وليس ببعيد عنا مصطلح (outsourcing)، أو ما نطلق علية “الاستعانة بمصادر خارجية”، أو “التعهيد” أي ان تعهد بإتمام مهمة ما إلى شخص آخر، أنقل لكم هنا التعريف الحرفي لذلك من مصدرة (وهو طريقة جديدة لتقسيم العمل وتوفير المال والطاقة والوقت في مختلف قطاعات الحياة الاقتصادية والغير اقتصادية وذلك بإعطاء الجهة الثالثة المستعان بها الثقة ومهام ووظائف ومسؤوليات وصلاحيات وهيكليات معينة وأنشطه كانت عادة تقوم بها (ذاتياً) وتؤديها داخلياً الجهة المستعينة،) “المصدر“.
إن “التعهيد” هو صورة من صور التوظيف المؤقت، وهو نفسه بالضبط الاستعانة بالمستقلين، أي ما نناقشه اليوم، ولكن بآليات ومستويات واحجام أكبر.
نلاحظ من الإحصائية التالية تربع دولة الهند على عرش العمل الحُر في العالم عبر طريقة “التعهيد”، حيث تعتبر الهند المقصد الرئيسي لسوق “التعهيد” (outsourcing) لكثير من الشركات في العالم.
كما نلاحظ احتلال تونس المرتبة 6 عالمياً من حيث حجم نمو قطاع المستقلين فيها.
في الأخير، إن الاستثمار الحكيم في الاستعانة بالمستقلين هو بعينة تحديد الفرق بين الاخضر والأحمر (اللون الأحمر هنا مقصود بالمخاطر) عند إتخاذ القرار الصحيح في قطاع الاعمال، واقصد هنا تحديد اللون المختار وفقاَ للمعطيات والاهداف ونوعية المستقلين الذين سيتم التعامل معهم، بالإضافة لنوعية المشروع المطلوب تنفيذه ووضع جميع المقارنات على طاولة بيضاء تُبسط آلية إتخاذ القرار.
شهاب الفقيه/ متخصص في التجارة والتسويق الالكتروني
مدونة التجارة الالكترونية العربية
التدوينة التوظيف عن بُعْد هو الخيار الأنسب لأصحاب الأعمال ظهرت أولاً على عالم التقنية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق